الفصل العاشر قصة عقبة بن نافع عقبة يتجة إلى إفريقية
مضمون الفصل :
تدور أحداث هذا الفصل حولإقامة
(عقبة) في برقة ست سنوات داعيًا للإسلام ، واختيار الخليفة له لفتح إفريقية ،
وقيادته جيشًا يتكون من العرب والبربر معًا ، وتحقيقه النصر في قبيلتي (ودَّان) و
(فزَّان)، وعمله على نشر الإسلام في كل قرية أو مدينة فتحها حتى زاد عدد المسلمين
في تلك البلاد.
تعلق
البربر بعقبة :
ظلَّ عقبة
واليًا على برقة حتى سنة ٤٩هـ ، وقد زاد تعلق البربر به لحُسن مُعَامَلَتِهِ
لَهُمْ - وَرَفَعِ المَظَالِمِ التي
فَرَضَها عَلَيْهِمْ سَادَةُ الرُّومانِ على مر السنينَ " .
الخليفة
يختار عقبة لفتح إفريقية :
وإِذْ
هُوَ يَقُومُ بِمُهِمَّتِهِ كداعية للإسلام فى هذه المِنْطَقَةِ، جَاءَهُ خِطاب من
الخليفة يُعْلِمُهُ فيه أنه قد اخْتَارَهُ لِفَتْحِ إفريقيَّةَ ، وأن جيشًا
عِدْتُهُ عشرة آلاف مقاتل في طريقه اليه. كان هذا الخطاب فى سنة ٤٩ هـ، أى بعد
إقَامَتِهِ سَتْ سَنواتٍ أُخْرَى فِي بَرْقَةَ ".
تكوين أول
جيش يجمع العرب والبربر :
وعَلَى الفَوْرِ نَادَى عقبة في البربر بالجِهَادِ ،
فأقْبَلُوا من مُختَلَفِ القَبائِلِ مُلَبِّينَ دعوته .. وكان فرحُهُ عَظِيمًا
بِخُرُوج البربرِ للْجِهَادِ في سبيل الله . وصل الجيشُ الذي أرسله معاوية ابن أبي
سفيان إلى برقةَ ، فوجدَ في انتظاره جيشًا آخَرَ من الْبَرْبَرِ، مُستعدًا لخوض
المعارك ضد أعداء الإسلام. ولأولِ مَرَّةٍ في تاريخ المَعارِكِ الإسلاميةِ
يَتَكونُ جيش من العَرَبِ والبَرْبَرِ، وينطلقُ لِغَايةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ إعلاءُ
كَلِمَةِ اللهِ .
عقبة
ينتصر على قبيلـة ودَّان:
اتَّجَهَ
عُقْبَةُ إِلى قبيلةِ وَدَّانَ، وهي القبيلة التي افتتحها بسرُ بنُ أرْطَاةَ سنة
٢٣هـ ، وارتدت عن الإسلام بعد أن غادَرَ
المسلمون تلك الجهات .. حاولَ أهْلُ هذه القبيلةِ مُدَافَعة المسلمين ولكنَّ عقبة
والمجاهدين من حَوْلِهِ هَزَمُوهُمْ فِى أوَّلِ اشتباك، ثم أسروا مَلِكَهُم،
وعادوا به إلى مقر القيادةِ الإِسْلامِيةِ . وَقَف مَلِكُ ودَّانَ منكَسَ الرأسِ
أمامَ عُقبة - يُحاول أن يتكلم فتذوبُ الكلمات على شَفَتيه .. وتذكَرَ في هذه
اللَّحَظَاتِ أَنَّه نَقَضَ عَهْدَه مع المسلمينَ، وَمَنعَ إِرْسَالَ ضريبة الدفاع
المقررة عليه، بل بالغ في عَدَاوَتِهِ لِلْمُسْلِمِينَ بِأَنَّهُ جَنَّدَ أَهْلَ
قَبِيلَتِهِ لمُحارَبَتِهِمْ . ثم سكت عقبةُ هُنَيْهةً وقال - للمَلِكِ :
" والآنَ عليك أن تدفع
ضريبة الدفاع التى فرضَهَا عَليكُمْ بُسْرُ بنُ أَرْطَاةَ، وهي ثَلاثمائة وستونَ
بَعِيرًا " . أَكْدَ َملِكُ وَدَّانَ
لِعُقْبَةَ أَنَّهُ لَنْ يَعُودَ لمحاربةِ العَرَبِ مَرَّةً أُخْرَى وأنَّه
سَيَدْفَعُ ضريبة الدفاع بانتظام. عندئذٍ أطلَقَ عُقبَةُ سَراحَ مَلِك وَدَّانَ.
أهل فزَّان يستجيبون لنداء عقبة :
وتأهبَ لِلذهاب إلى فَزَّانَ ، وهي تَبْعُد عن قبيلة
ودَّان بمسيرة ثمانية أيَّامٍ .. ولما دَنَا منها عَسْكَرَ بجيشه في مكانٍ يَبْعُد
عنها بستةِ أميال. ثم أرسَلَ مَن يَدْعو أهْلَها إلى الإسلام ، وكانوا قد
تَظاهَرُوا بالدخولِ فِي دِينِ اللهِ يومَ انتصر عليهم عقبة منذ عشرين عامًا استجابوا
لنداء عقبةً ، وأعلنوا أنهم سَيَعْتنقونَ الدِّينَ الحنيف، ولن يَرْضَوْا به
بديلًا إلى الأَبَدِ .
تأديـب
مـلـك فزَّان :
إِلَّا أَنَّ مِلِكَ فَزَّانَ – وَكَانَ رَجُلًا
مُترِفًا نَاعِمًا يَتَمَتَّعُ بِكُلِّ لذَّاتِ الحَضَارَةِ الرُّومانيَّةِ - لم
يُعْلِنُ رأيَهُ صراحةً ؛ لأنَّهُ كَانَ وَثَنِيًّا لَا يُؤْمِنُ بِالْأَدْيَانِ .
امَرَ عُقبة باحضار هذا الملكِ ، وعِنْدَما وَصَل إلى خَيْمَةِ عقبة وجد القائد
العربي يجلس - وسط جمع من ضُبَّاطِهِ وجُنودِهِ في تَواضُع ، واخَذَتْهُ
الدَّهْشَةُ إِذْ رأى الرَّجُلَ الذي
اهتزَّتِ المِنْطَقَةُ كلُّها لمَقْدَمِهِ ، وارتعدت فرائصُ الحكّامِ رُعْبًا
مِنْهُ ، يَفْترشُ الأَرْضَ ، ولا يَبدُو عليه أى مَظْهَرِ من مَظَاهِرِ الفَخْرِ
والخُيلاء . تَقدَّمَ ملكُ فَزَّانَ من عُقبة ، وقد ظَنَّ أنه سيُنزِلُ به أشدَّ
العِقَابِ لِرَفْضِهِ دَفْع ضريبةِ الدفاعِ التي كانت مقررة عليه، ولقيامه بمحاربة
المُسلمين. إلا أنه فوجئ بعقبة القائدِ المُنتصر يطمئنه، ويقول له : إنَّنا لا
ننكَّلُ بالأسرى ، لأن ديننا يمنعُنا من ذلك ... أما سَبَبُ إحْضَارِكَ بهذه
الهيئة تأديب لك حتى لا تحارب العرب مرة أخرى، وحتى تدفع ضريبة الدفاع وهي
ثلاثمائة بعير .
التقط ملك
فزَّان أنفاسه ، وبدأ قلبهُ يَدَقُ دقاتِهِ العادية بعد أنْ كانَ مُضطربًا "
يكاد يمزق ضلوع صدره من شدة خفقانِهِ ثم أطلق عقبة سراحة .
تعليم أهل
القرى اللغة العربية وقواعد الإسلام :
وانطلق بعد ذلك إلى القرى الواقعة فى هذا الإقليم، فافتتحها قرية قرية .. وقد كان أهْلُها يَكْرَهُونَ الحُكْمَ البيزنطي، فسارَعُوا إلى الدُّخُول في دِينِ الإسلام. كان عقبة كلما افتتح مدينة أو قرية يترك بها نفرمن المسلِمِينَ يُعَلِّمُونَ أَهْلَهَا اللغة العربية وقواعد الدين الإسلامي، وبهذا ازْدَادَ عَدَدُ المسلمين الذين يَعْرِفون لغةً دينِهِمْ في هذه المدائن والقُرى.